الكفاح من أجل الصالح
Feb 01, 2023
الكفاح من أجل الصالح
ماذا يكشف التاريخ الاقتصادي الحديث عن صراع محافظي البنوك المركزية لكبح جماح التضخم في عام 2023؟
كتب بواسطة
ريان أفينت، محرر التجارة والاقتصاد الدولي، الإيكونوميست، واشنطن العاصمة
كتب بواسطة
ريان أفينت، محرر التجارة والاقتصاد الدولي، الإيكونوميست، واشنطن العاصمة
Feb 01, 2023
ثمة قول مأثور في عالم السياسة النقدية وهو: الصقور فقط هم من يدخلون جنة البنوك المركزية، ومن أهم الصفات التي يجب توفرها في الرجال والنساء المكلفين بإدارة أموال اقتصاداتهم هي القدرة على كبح جماح الاقتصاد الذي ينمو بقوة كبيرة عن طريق رفع سعر الفائدة، كما قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي ذات مرة، ولكن خلال العشرين عامًا التي سبقت الجائحة كانت أكثر مشاكل الاقتصاد الكلي إلحاحًا في العديد من الاقتصادات الكبيرة في العالم هي مشكلة النمو الضعيف والتضخم المنخفض، وهكذا حُرم محافظو البنوك المركزية بوحشية من فرصة تطبيق ما اعتادوا عليه.
ومع ذلك منح الارتفاع الحاد والمستمر في التضخم الذي بدأ في عام 2021 محافظي البنوك المركزية اليوم فرصة للتألق، ففي عام 2023 ستسيطر معظم البلدان على التضخم، ولكن لا مفر من وقوع خسائر فادحة فقد نمت المشكلة بشكل كبير في عام 2022 بعد أن أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وشهدت العديد من الاقتصادات ارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، كما بلغ معدل نمو أسعار المستهلكين ذروته عند 9٪ في أمريكا، ووصل إلى مستوى قياسي بلغ 10.7٪ في منطقة اليورو وأعلى من ذلك بكثير في عدد قليل من الاقتصادات الناشئة ولا سيما المضطربة منها.
هذه الأسعار المرتفعة هي نتيجة التقاء القوى التضخمية حيث أدت الإجراءات السخية لتخفيف آثار الجائحة والسياسة النقدية التيسيرية إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي، وفاق هذا الإنفاق قدرة المصانع والموانئ بسبب مشاكل الإمداد المرتبطة بالطقس القاسي وتفشي فيروس كورونا المستجد والصدمات الأخرى، كما أدى الارتفاع الشديد في أسعار النفط والغاز والحبوب بسبب الحرب في أوكرانيا إلى زيادة الطين بلة.
ومع زيادة معدلات التضخم اندلع جدال اقتصادي حاد حول مدى صعوبة قيام البنوك المركزية بالسيطرة على الأوضاع الاقتصادية من خلال رفع أسعار الفائدة على سبيل المثال من أجل تثبيط نمو الأسعار، ونصح بعض الشخصيات الأكثر حذرًا باتخاذ إجراءات بسيطة بحجة أنه نظرًا لارتباط ارتفاع التضخم الملحوظ بمشاكل العرض، يجب أن تنخفض الأسعار دون تدخل، كما جادل آخرون بأنه طالما كان المستهلكون حريصين على الإنفاق، فإن تخفيف ضغوط ارتفاع الأسعار من شأنه أن يوفر المزيد من الأموال للإنفاق ورفع الأسعار من ناحية أخرى.
بحلول أوائل عام 2022 بدأت وجهة النظر الأخيرة في استمالة العديد من محافظي البنوك المركزية، فرفع الاحتياطي الفيدرالي - الذي انتظر بفارغ الصبر انخفاض الأسعار في عام 2021 دون تدخل - سعر سياسته الرئيسية بمقدار 0.25 نقطة مئوية في مارس، و0.5 نقطة في مايو، و0.75 نقطة في يونيو وسبتمبر وأكتوبر ونوفمبر على الرغم من رغبة محافظو البنوك المركزية في كبح جماح التضخم دون حدوث ركود يسحق النمو، وفي مارس قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم بأول إن «السجل التاريخي يدعو للتفاؤل» فيما يتعلق بقدرة البنك المركزي على تحقيق «هبوط سلس».
وبحلول أغسطس تغيرت نغمة باول وقال إن أسعار الفائدة المرتفعة ستؤدي في النهاية إلى خفض التضخم لكنها «ستتسبب أيضًا في بعض المعاناة»، واتفق محافظو البنوك المركزية الآخرون مع هذا الرأي، كما أشارت إيزابيل شنابل عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي إلى أنه «لأول مرة منذ أربعة عقود تحتاج البنوك المركزية إلى إثبات مدى عزمها على الحفاظ على استقرار الأسعار»، وبدأت توقعات البنك الاحتياطي الفيدرالي تظهر ارتفاعًا طفيفًا في البطالة في عام 2023 في حين أظهرت توقعات بنك إنجلترا حدوث انخفاض في إجمالي الناتج المحلي لبريطانيا.
وقد أشار البنك الدولي على مدى نصف القرن الماضي إلى أن العالم نادرًا ما شهد تحولًا نحو سياسات تقييد النمو متزامنة مثل تلك التي تشكلت خلال عام 2022، وكان أحد الاستثناءات هي حين قرر صانعو السياسات في جميع أنحاء العالم عام 1982 وضع حد لمشكلة تضخم استمرت عقدًا من الزمان ونجحوا في تحقيق ذلك، ولكن هذه العملية تسببت في ركود عالمي، فمر الكثير بوقت عصيب، لكنه بمثابة انتصار لمعظم محافظي البنوك المركزية، وفي عام 2023 للأسف من المرجح أن ترحب هذه المهنة بصعود جيل جديد من الأبطال.
