
فيل عملاق وتنين نحيل
Feb 01, 2023
فيل عملاق وتنين نحيل
هل ستتجاوز الهند الصين لتصبح أكثر الدول سكانًا؟
كتب بواسطة
بروك أنغر، كبير المحررين الرقمي الرقميين، الإيكونوميست
كتب بواسطة
بروك أنغر، كبير المحررين الرقمي الرقميين، الإيكونوميست
Feb 01, 2023
لطالما كانت الصين أكبر دول العالم سكانًا، حيث بلغ عدد سكانها حوالي 225 مليون نسمة في عام 1750، أي أكثر من ربع إجمالي سكان العالم. بينما وصل عدد سكان الهند، التي لم تكن آنذاك دولة موحدة سياسياً، ما يقرب من 200 مليون، مما جعلها تحتل المرتبة الثانية بعد الصين، ولكن من المتوقع أن تتبوأ الهند المركز الأول في عام 2023، حيث تتوقع الأمم المتحدة أن عدد سكانها سيتجاوز عدد سكان الصين في 14 أبريل ليصل 1،425،775،850نسمة في اليوم التالي.
تبوأ المركز الأول ليس له قيمة في حد ذاته، ولكنه مؤشر على تغير الكثير من الأمور الهامة، فسيبدو عدم حصول الهند على عضوية دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أمر غير طبيعيي في حين أن الصين عضو دائم في المجلس نظرًا لأن اقتصادها أكبر بست مرات تقريبًا، ولكن النمو السكاني في الهند سيساعدها على اللحاق بالركب، ومن المتوقع أن يكون أكثر من سدس سكان الهند من الشباب القادرون على العمل(15-64) حتى عام 2050.
وعلى النقيض، ستشهد الصين انخفاض حاد في عدد سكانها، حيث بلغ عدد الصينيين في سن العمل ذروته قبل عقد من الزمان، وبحلول عام 2050 سيكون متوسط العمر في الدولة 51 عام، أي 12 عامًا أكبر من الآن؛ لذا سيتعين على الصين المُسنة أن تبذل جهدًا للحفاظ على نفوذها السياسي والاقتصادي.
اتخذ كلا البلدين إجراءات صارمة للحد من نمو سكانهما في القرن العشرين، وكانت المجاعة التي حدثت في الفترة من 1959حتى1961 -بسبب «القفزة الهائلة نحو التقدم» الذي حققته الصين- عاملاً رئيسياً في إقناع الحزب الشيوعي بالحاجة إلى كبح جماح النمو السكاني، وبعد عقد من الزمان أطلقت الصين الشعار الشهير «لاحقًا، أطول، أقل» ويعني: الزواج في وقت لاحق، وفترة زمنية أطول بين الولادات، وعدد أقل من الأطفال، ويرى عالم السكان البريطاني تيم دايسون، أن هذه الحملة كان لها تأثير أكبر من سياسة الطفل الواحد الأكثر شهرة التي شاعت في عام 1980، وأضاف أن الصين شهدت انخفاضا سريعا في معدل الخصوبة غير مسبوق، وانخفض معدل الإنجاب من أكثر من ستة أطفال لكل امرأة في أواخر الستينيات إلى أقل من ثلاثة بحلول أواخر السبعينيات.
جنت هذه الجهود ثمارها، فمعجزة الصين الاقتصادية هي نتيجةً جزئية لارتفاع نسبة البالغين في سن العمل مقارنة بالأطفال وكبار السن في الفترة من السبعينيات إلى أوائل القرن الحادي والعشرين؛ عندما ينجب الوالدان عدد أقل من الأطفال، تزيد قدراتهما على أن يستثمروا في كل طفل ويعتنوا به بشكل أفضل، وزيادة عدد الآباء عن الأطفال يصبح ميزة عندما يكون الأطفال صغارًا حيث سيزدهر سن الشباب وعيبًا عندما يتقدم الوالدين في العمر ليطغى سن العجز، فحينها ستدفع الدولة ثمن تقاعد جيل الطفرة الاقتصادية وسيصبح هؤلاء العجزة عبء على الجيل الأصغر منه.
كانت محاولة الهند لخفض معدل الخصوبة أقل نجاحًا، وكانت أول دولة تُطبق مبدأ تنظيم الأسرة على نطاق وطني في الخمسينيات من القرن الماضي، وتزايدت حملات التعقيم الجماعي بتشجيع من المانحين الغربيين، ونُفذت بشكل أكبر خلال حالة الطوارئ التي أعلنتها إنديرا غاندي رئيسة الوزراء في الفترة من 1975إلى1977. وبتوجيه من ابنها سانجاي، أجبرت الحكومة الرجال على الذهاب إلى معسكرات قطع القناة الدافقة مهددة بخفض رواتبهم أو فقد وظائفهم، وألقت الشرطة القبض على الفقراء الذين يعيشون في محطات السكك الحديدية لتعقيمهم وتوفي حوالي 2000 رجل نتيجة لهذه الإجراءات الفاشلة.
انتهى عهد التعقيم القسري بعد أن خسرت إنديرا غاندي الانتخابات وعلى الرغم من وحشية الحملة، فأنها لم تكن ناجعة بما يكفي لتحقق انخفاض كبير في معدل المواليد في الهند، وقد تراجعت معدلات الخصوبة في الهند، ولكن بنسبة ضئيلة وببطء أكبر من مثيلتها في الصين. ومع بلوغ متوسط العمر28عام وتزايد عدد السكان في سن العمل، أصبح للهند فرصة الآن لجني العائد الديموغرافي، فلقد تجاوز اقتصادها مؤخرًا اقتصاد بريطانيا لتصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم وستحتل المركز الثالث بحلول عام 2029، وذلك حسب توقعات بنك الهند الوطني. ومع ذلك يعتمد ازدهار اقتصاد الهند على مدى إنتاجيه سكانها التي لا تصل بعد لمسستويات انتاجية الصين العالية حيث يمثل أقل من نصف الهنود البالغين القوى العاملة مقارنة بالثلثين في الصين، فالصينيون يتخرجون بعمر الـ 25 عامًا بما يزيد عن عدد سنوات تعليم الهنود بسنة ونصف في المتوسط.
وذلك لن يجنب الصين المعاناة من عواقب الركود الديموغرافي الذي نتج عن تلك الإجراءات، ولذا ألغت الحكومة سياسة الطفل الواحد في عام 2016 وأزالت جميع القيود المفروضة على تحديد النسل في عام 2021، ومع ذلك استمرت معدلات المواليد في الانخفاض، حيث جعلت سياسة «صفر كوفيد» الصينية الشباب أكثر ترددًا في إنجاب الأطفال، وتواجه الحكومة معارضات لخطة رفع متوسط سن التقاعد الذي يبلغ 54 وهو من بين الأدنى في العالم، مما يهدد بنفاد أموال صندوق المعاشات التقاعدية الرئيسي بحلول عام 2035، ومع ذلك ربما يكون الأمر الأكثر إيلامًا للصين هو ظهور الهند كقوة عظمى وتحل محلها.